بعد إعلان الرئيس السابق مبارك تخلّيه عن منصبه اندلعت الاحتفالات في الشوارعبعد إعلان الرئيس السابق مبارك تخلّيه عن منصبه كرئيس للجمهورية، اندلعت الاحتفالات في الشوارع حتى انتصف الليل، ثم بدأت فورتها تهدأ رويداً، وقتها كنت في طريقي للمنزل؛ حيث وجدت نفسي مُساقاً إلى حوار مع أحد ركاب الميكروباص، حول رأيي في الرئيس القادم لمصر، ومن سيكون؟!
تعجّبت من السؤال بشدة؛ فكيف يكون لي رأي في أمر كهذا؟ هل بدأت الانتخابات الرئاسية بالفعل، وصار لدينا أكثر من مرشّح وبرنامج انتخابي؛ مما يسهل -على الأقل- عملية التنبؤ بالرئيس القادم؟
عبثاً حاولت إفهام الرجل أن الوقت مبكر جداً لتكهّنات كهذه، فقط ليعاجلني بسؤال أكثر إثارة للدهشة: من سأختاره رئيساً؟!
حاولت البحث عن إجابة سديدة؛ فلم أجد سوى نفس الإجابة السابقة: لا يزال الوقت مبكراً على هذا الأمر، إنني سأختار الرئيس القادم بناءً على برنامج انتخابي سيتقدم به المرشحون جميعاً، الذين لا أعرفهم بدوري حتى الآن، ومن يحظى بأغلبية الأصوات يصبح هو الرئيس.
ثم جاء السؤال الثالث والأخير: "يعني لو البرادعي رشّح نفسه هتختاره؟".
أدركت حينها الهدف الأساسي من هذه المناقشة، وسرعان ما تأكدت من إدراكي حين أتبع الرجل موضحاً رفضه التام للبرادعي: خاصة أنه كان يعمل مع الأمريكان، وقضى عمره خارج مصر؛ فما الذي يعرفه عنها كي يحكمها؟!
لم أكن في حالة تسمح بالنقاش بعد السير قرابة 6 كيلومترات خلال المظاهرات حتى قصر رأس التين، ثم الفرحة والاحتفالات؛ فقلت له الإجابة نفسها للمرة الثالثة: برنامجه الانتخابي واختيار الشعب هو ما سيحدد مَن الرئيس، وإذا اختارت الأغلبية البرادعي؛ فإن على الجميع الرضا بذلك!
ثم ساد الصمت أخيراً؛ بينما ظللت أفكر: هذا الرجل الذي تخطّى الخمسين، لا يبدو أنه يعرف الآن ثقافة الانتخاب من متعدد، لقد قضى عمره كله يرى الرؤساء يتوافدون على القصر الرئاسي بمجرد وفاة/اغتيال سلفهم؛ فهل يستطيع التأقلم فجأة مع ظرف جديد كتنحّي الرئيس دون معرفة مَن سيخلفه؟
إن سؤاله الأول عمن سيحكم مصر، هو دليل قاطع على أنه ينتظر رئيساً ليُجري عليه استفتاء ما ينتهي بنتيجة 99%، ثم تستمر عجلة الحياة؛ بينما يع أتقى الله سؤاله الثاني حالة من التخبّط بين الأسماء الكثيرة التي صار الجميع يرشّحها؛ خاصة مع انتشار فيس بوك؛ حيث يمكنك أن ترشّح نفسك إذا أردت؛ فالرجل يسمع عن عمرو موسى تارة، ثم البرادعي تارة أخرى، ربما عمرو خالد، أو أحمد زويل.
كل هذه الأسماء تصنع له حالة ارتباك؛ خاصة إن كان قد اعتاد لمدة 30 عاماً على رئيس بصفات معينة -ليست شكلية بالطبع- تجعله لا يتقبل بسهولة شخصاً يملك -في نظره- أقل من هذه الصفات!
أما سؤاله الثالث فهو قلب المشكلة؛ حيث صار الرجل ببساطته وعدم اطلاعه على كثير من المعلومات المتاحة للشباب أكثر -بحكم احتكاكهم بالشبكة المعلوماتية- على يقين من أن البرادعي هو عميل، يمشي على قدمين مرتدياً قناع الملائكة، منتظراً لحظة الانقضاض على الحكم؛ فيخلع القناع ويُظهر وجه الشيطان!
ولأنني لست أكتب دفاعاً عن البرادعي -فهناك العشرات غيري يؤدون المهمة على أكمل وجه- سأفترض جدلاً أنه شيطان من شياطين آخر الزمان، ثم خاض الانتخابات، التي ملأ الدنيا تصريحات تفيد عدم نيته خوضها، ثم فاز بالأغلبية.. ماذا سيحدث وقتها؟ لا شيء. الشعب هو من اختار، وعليه تحمّل تبعات اختياره؛ هكذا بكل بساطة.. أما من يراه بحقيقته الشيطانية؛ فليقبل بقواعد الديمقراطية، ويتعايش مع اختيار الأغلبية.
كل هذه التساؤلات مبكرة جداً، والسؤال عنها ما هو إلا إضاعة لوقت وجهد نحتاجهما في الاستعداد لتلك الانتخابات.. من لم يكن يشارك قبلاً، عليه أن يعقد العزم على المشاركة، ومن لم يستخرج بطاقة انتخابية؛ فليفعل حالاً دون إبطاء.
إن الفترة القادمة لا تحتاج لسؤال من نوع: من سيحكم مصر الآن؟ بل: كيف سنختار من يحكم مصر؟ بداية من المشاركة في الاستفتاء على مواد الدستور المُعدّلة، وحتى إلقاء الورقة المطوية حاملة اسم مرشّحك الرئاسي إلى جوف الصندوق الانتخابي.
إن اخترت "عفريت العلبة"؛ فأنت من ستتحمل مسئولية اختيارك؛ لكن إن تقاعست عن المشاركة من البداية؛ فأنت إذن تُعِدّ العدة من جديد لعصور قد تستمرّ ثلاثين عاماً أخرى حتى الثورة الجديدة.. أطال الله في عمرك.