مراحل التشريع الإسلامي
مر التشريع الإسلامي بستة أدوار:
1- المرحلة الأولى: التشريع في حياة رسول الإسلام .
2- المرحلة الثانية: التشريع في عصر كبار الصحابة وأئمة أهل البيت (من سنة 11 إلى سنة أربعين هجرية).
3- المرحلة الثالثة: التشريع في عهد صغار الصحابة ومن تلقى عنهم من التابعين.
4- المرحلة الرابعة: تدوين السنة وأصول الفقه، وظهور الفقهاء الأربعة الذين اعترف الجمهور لهم بالإمامة والاجتهاد المطلق، الفقه المالكي الفقه حنفي الفقه الشافعي الفقه الحنبلي.
5- المرحلة الخامسة: القيام على المذاهب وتأييدها، وشيوع المناظرة والجدل من أوائل القرن الرابع إلى سقوط الدولة العباسية.
6- المرحلة السادسة: دور التقليد، وهو يبدأ من سقوط بغداد على يد هولاكو إلى بدايةالقرن الهجري الماضي
7- المرحلة السابعة : دور التجديد، وقد بدات نواته من بداية القرن السابع على يد شيخ الإسلام ابن تيمية.
التشريع في حياة رسول الله (ص)
من المعلوم أنَّ أهم مصدرين من مصادر الشريعة الإسلامية هما كتاب الله عز وجل، وسنة رسول الإسلام، ولكن في الحقيقة هناك مصدر أساسي واحد لا ثاني له للشريعة الإسلامية، ألا وهو القرآن الكريم، ولكن لما أمرنا الله عز وجل أن نتَّخذ من كلام رسول الإسلام شارحاً ومبيِّناً ومفصِّلاً لكتابه الكريم، كانت السنة النبوية بأمر القرآن المصدر الثاني للتشريع. لقد أمرنا الله أن نطيع الرسول في ما أخبر وأن نعتمد على شرحه في غوامض كتاب الله، فطاعتنا لرسول الإسلام إنما هي فرع من طاعة الله عز وجل. ذكر القرآن: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ النساء: 80، ﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ النحل: 44، ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾ المائدة: 92، ﴿ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُ مْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ الحشر: 7، ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ النحل: 64.
إذاً فالشريعة الإسلامية في عهد النبي، كانت تعتمد اعتماداً فعلياً على مصدرين فقط هما القرآن والسنة، أما الإجماع والقياس فلم يكن لهما وجود في ذاك العصر لأن القياس يُلجَأ إليه عند وجود مسألة لا نص فيها، وما دام رسول الإسلام حياً فالنص مستمر ولا إشكال، وحتى لو أنَّ النبي قاس أو اجتهد فلا بد أن يتحول هذا الاجتهاد إلى نص. وتفصيل ذلك أنه إذا اجتهد رسول الإسلام في مسألة فإما أن يقره الله عليها فتصبح نصاً حينئذ، أو أن يصوب الله له فيكون نصاً أيضاً.
التشريع في عصر كبار الصحابة :
توفي رسول الإسلام، وقد تكامل القرآن نزولاً، ولكنه لم يُجمَع في مصحف واحد بين دفتي كتاب، بل كان محفوظاً في صدور الصحابة وصحف كتَّاب الوحي، وكان عدد الحفاظ في العهد النبوي كثيراً جداً. وكان قد وعى كثير من الصحابة حديث رسول الإسلام، بعضهم في الصدور كأبي هريرة، وبعضهم في الكتابة في السطور لا تدويناً. وتولى أبو بكر الخلافة، ولا يزال التشريع يعتمد على مصدرين أساسيين هما القرآن والسنة. فقد حصل في أول عهد أبي بكر ما دفعه إلى جمع القرآن كله في مصحف، ذلك أنه واجهته أحداث جسام في ارتداد جمهرة العرب، فجهز الجيوش لحروب المرتدين، وكانت غزوة أهل اليمامة سنة 12 للهجرة تضم عدداً كبيراً من الصحابة القرَّاء، فاستشهد في هذه الغزوة سبعون قارئاً (أي حافظاً) من الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب ، فدخل على أبي بكر وأشار عليه بجمع القرآن، وكتابته بين دفتي كتاب خشية الضياع بسبب وفاة الحفاظ في المعارك. ولكن أبا بكر نفر من هذه الفكرة وكَبُر عليه أن يفعل ما لم يفعله رسول الإسلام، وظل عمر يراوده حتى شرح الله صدر أبي بكر لهذا الأمر.
فقام أبو بكر بتكليف زيد بن ثابت لما رأى في زيد من الصفات تؤهله لمثل هذه الوظيفة ومنها كونه من حفاظ القرآن ومن كتابه على عهد النبي محمد وقد شهد زيد مع النبي العرضة الأخيرة للقرآن في ختام حياته. ثم إن زيد قد عرف بذكائه وشدة ورعه وأمانته وكمال خلقه.
ويروي زيد بن ثابت فيقول : " قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الإسلام، فتَتَبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي ؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعُسب وصدور الرجال…وكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر.